فصل: الباب الثالث في استقبال القبلة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **


 الباب الثالث في استقبال القبلة

وهو شرط لصحة الفريضة إلا في شدة خوف القتال المباح وسائر وجوه الخوف وشرط لصحة النافلة إلا في شدة الخوف والسفر المباح والعاجز كالمريض لا يجد من يوجهه والمربوط على خشبة يصلي حيث توجه ولا يجوز فعل الفريضة على الراحلة من غير ضرورة فإن خاف انقطاعا عن رفقته لو نزل لها أو خاف على نفسه أو ماله فله أن يصليها على الراحلة وتجب الاعادة ولا تصح المنذورة ولا الجنازة على الراحلة على المذهب فيهما وتقدم بيانهما في التيمم

فرع شرط الفريضة أن يكون مصليها مستقرا فلا تصح من الماشي المستقبل ولا من الراكب المخل بقيام أو استقبال فإن استقبل وأتم الأركان في هودج أو سرير أو نحوهما على دابة واقفة صحت الفريضة على الأصح الذي قطع به الأكثرون منهم صاحبا المعتمد والتهذيب وصاحبا التتمة والبحر وغيرهم والثاني لا يصح وبه قطع إمام الحرمين والغزالي فإن كانت الدابة سائرة لم تصح الفريضة على الأصح المنصوص وتصح الفريضة في السفينة الجارية والزورق المشدود على الساحل قطعاً‏.‏

وكذا في السرير الذي يحمله رجال وفي الأرجوحة المشدودة بالحبال والزورق الجاري للمقيم ببغداد ونحوه على الأصح في الثلاثة‏.‏

 فصل يجوز التنفل ماشيا

وعلى الراحلة سائرة إلى جهة مقصده في السفر الطويل وكذا القصير على المذهب ولا يجوز في الحضر على الصحيح بل لها فيه حكم الفريضة في كل شيء إلا القيام وقال الأصطخري يجوز للراكب والماشي في الحضر مترددا في جهة مقصده واختار القفال الجواز بشرط الاستقبال في جميع الصلاة وحيث جازت النافلة على الراحلة فجميع النوافل سواء على الصحيح الذي عليه الأكثرون وعلى الضعيف لا تجوز صلاة العيد والكسوف والاستسقاء أما راكب السفينة فلا يجوز تنفله فيها إلى غير القبلة لتمكنه نص عليه الشافعي رضي الله عنه وكذا من تمكن في هودج على دابة على الصحيح واستثنى صاحب العدة ملاح السفينة التي يسيرها وجوز تنفله حيث توجه لحاجة‏.‏

قلت واستثناه أيضاً صاحب الحاوي وغيره ولا بد منه والله أعلم‏.‏

فرع إذا لم يتمكن المتنفل راكبا من إتمام الركوع والسجود والاستقبال في جميع صلاته ففي وجوب الاستقبال عند الاحرام أوجه أصحها إن سهل وجب وإلا فلا فالسهل بأن تكون الدابة واقفة وأمكن انحرافه عليها أو تحريفها أو كانت سائرة وبيده زمامها وهي سهلة وغير السهل أن تكون مقطورة أو صعبة والثاني لا يجب أصلا والثالث يجب مطلقا فإن تعذر لم تصح صلاته‏.‏

والرابع إن كانت الدابة عند الإحرام متوجهة إلى القبلة أو إلى طريقه أحرم كما هو وإن كانت إلى غيرهما لم يجز الإحرام إلا إلى القبلة والاعتبار باستقبال الراكب دون الدابة فلو استقبل عند التحرم أجزأه بلا خلاف وإن كانت الدابة منحرفة عن القبلة واقفة أو سائرة وإذا شرطنا الاستقبال عند الإحرام لم نشترطه عند السلام على الأصح ولا يشترط فيما سواهما من أركان الصلاة ولكن يشترط لزوم جهة المقصد في جميعها إذا لم يستقبل القبلة وتتبع ما يعرض في الطريق فرع ليس لراكب التعاسيف ترك الاستقبال في شيء من نافلته وهو الهائم الذي يستقبل تارة ويستدبر تارة وليس له مقصد معلوم فلو كان له مقصد معلوم لكن لم يسر في طريق معين فله التنفل مستقبلا جهة مقصده على الأظهر وعلى الثاني لا لأنه لم يسلك طريقا مضبوطا فقد لا يؤدي سيره إلى مقصده‏.‏

فرع إذا انحرف المصلي على الأرض عن القبلة نظر إن استدبرها أو إلى جهة أخرى عمدا بطلت صلاته وإن فعله ناسيا أو عاد إلى الاستقبال على قرب لم تبطل وإن عاد بعد طول الفصل بطلت على الأصح ككلام الناسي وإن أماله غيره عن القبلة قهرا فعاد إلى الاستقبال بعد الطول بطلت وكذا على القرب على الأصح لندوره كما لو أكره على الكلام فإنها تبطل على الصحيح لندوره ولو انحرف المتنفل ماشيا عن مقصده أو حرف دابته فإن كان إلى جهة القبلة لم يضره وإن كان إلى غيرها عمدا بطلت صلاته وإن كان ناسيا أو غالطا ظن أن الذي توجه إليه طريقه وعاد على قرب لم تبطل وإن طال بطلت على الأصح ولو انحرف بجماح الدابة وطال الزمان بطلت وبه قطع الجمهور لعموم الجماح وإذا لم تبطل في صورة النسيان فإن طال الزمان سجد للسهو وإن قصر فوجهان المنصوص لا يسجد وفي صورة الجماح أوجه أصحها يسجد والثاني لا والثالث إن طال سجد وإلا فلا وهذا تفريع على المشهور أن النفل يدخله سجود السهو‏.‏

فرع هذا الذي قدمناه هو في استقبال الراكب على سرج ونحوه وليس وضع الجبهة على عرف الدابة ولا على السرج والإكاف بل ينحني للركوع والسجود إلى طريقه والسجود أخفض من الركوع قال إمام الحرمين الفصل بينهما عند التمكن محتوم والظاهر أنه لا يجب مع ذلك أن تبلغ غاية وسعه في الانحناء وأما سائر الأركان فكيفيتها ظاهرة وأما الراكب في مرقد ونحوه مما يسهل فيه الاستقبال وإتمام الأركان فعليه الاستقبال في جميع الصلاة وإتمام الأركان على الأصح كراكب السفينة والثاني لا يشترط وهو منصوص وأما الماشي ففيه أقوال أظهرها أنه يشترط أن يركع ويسجد على الأرض وله التشهد ماشيا والثاني يشترط التشهد أيضاً قاعدا ولا يمشي إلا حالة القيام والثالث لا يشترط اللبث بالأرض في شيء ويومىءبالركوع والسجود كالراكب وأما استقباله فإن قلنا بالقول الثاني وجب عند الإحرام وفي جميع الصلاة غير القيام وإن قلنا بالأول استقبل في الاحرام والركوع والسجود ولا يجب عند السلام على الأصح وإن قلنا بالثالث لم يشترط الاستقبال في غير حالة الاحرام والسلام وحكمه فيهما حكم راكب بيده الزمام وإذا لم نوجب استقبال القبلة شرطنا ملازمة جهة مقصده‏.‏

فرع يشترط أن يكون ما يلاقي بدن المصلي على الراحلة وثيابه وغيره طاهراً ولو بالت الدابة أو وطئت نجاسة أو كان على السرج نجاسة فسترها وصلى عليه لم يضر ولو أوطأها الراكب نجاسة لم يضر أيضاً على الأصح ولو وطىء مصل ماشيا نجاسة عمدا بطلت صلاته ولا يكلف التحفظ والاحتياط في المشي ولو انتهى إلى نجاسة يابسة ولم يجد عنها معدلا قال إمام الحرمين هذا فيه احتمال فإن كانت رطبة فمشى عليها بطلت صلاته‏.‏

فرع يشترط في جواز النفل راكبا وماشيا دوام السفر فلو بلغ المنزل في خلال الصلاة اشترط إتمامها إلى القبلة متمكنا وينزل إن كان راكبا ولو دخل بلد إقامته فعليه النزول وإتمام الصلاة مستقبلا ولو مر بقرية مجتازا فله إتمام الصلاة راكبا فإن كان له بها أهل فهل يصير مقيما بدخولها قولان إن قلنا يصير وجب النزول والإتمام مستقبلا‏.‏

قلت الأظهر لا يصير والله أعلم‏.‏

وحيث أمرناه بالنزول فذلك عند تعذر البناء على الدابة فلو أمكن الاستقبال وإتمام الأركان عليها وهي واقفة جاز ويشترط الاحتراز عن الأفعال التي لا يحتاج إليها فلو ركض الدابة للحاجة فلا بأس ولو أجراها بلا عذر أو كان ماشيا فعدا بلا عذر بطلت صلاته على الأصح

 فصل في استقبال المصلي على الأرض

وله أحوال أحدها أن يصلي في جوف الكعبة فتصح الفريضة والنافلة قلت قال أصحابنا والنفل فيها أفضل منه خارجها وكذا الفرض إن لم يرج جماعة فإن رجاها فخارجها أفضل والله أعلم ثم له أن يستقبل أي جدار شاء وله استقبال الباب إن كان مردودا أو مفتوحا وله عتبة قدر ثلثي ذراع تقريبا هذا هو الصحيح ولنا وجه أنه يشترط في العتبة أن تكون بقدر قامة المصلي طولا وعرضا ووجه أنه يكفي شخوصها بأي قدر كان الحال الثاني لو انهدمت الكعبة والعياذ بالله الحال الثالث وهو أن يقف على سطحها فإن لم يكن بين يديه شيء شاخص لم يصح على الصحيح وإن كان شاخص من نفس الكعبة فله حكم العتبة إن كان ثلثي ذراع جاز وإلا فلا على الصحيح وفيه الوجهان الآخران ولو وضع بين يديه متاعا واستقبله لم يكف ولو استقبل بقية حائط أو شجرة ثابتة جاز ولو جمع تراب العرصة واستقبله أو حفر حفرة ووقف فيها أو وقف في آخر السطح أو العرصة وتوجه إلى الجانب الآخر وهو مرتفع عن موقفه جاز ولو استقبل حشيشا نابتا عليها أو خشبة أو عصا مغروزة غير مسمرة لم يكف على الأصحوإن كانت العصا مثبتة أو مسمرة كفت قطعا لكن قال إمام الحرمين إن خرج بعض بدنه عن محاذاتها كان على الخلاف الآتي فيمن خرج بعض بدنه عن محاذاة الكعبة قلت لم يجزم إمام الحرمين بأنه يكون على ذلك الخلاف بل قال في هذا تردد ظاهر عندي وظاهر كلام الأصحاب القطع بالصحة في مسألة العصا لأنه يعد مستقبلا بخلاف مسألة طرف الركن والله أعلم‏.‏

الحال الرابع أن يصلي عند طرف ركن الكعبة وبعض بدنه يحاذيه وبعضه يخرج عنه فلا تصح صلاته على الأصح ولو وقف الإمام بقرب الكعبة عند المقام أو غيره ووقف القوم خلفه متديرين بالبيت جاز ولو وقفوا في أخريات المسجد وامتد صف طويل جاز وإن وقفوا بقربه وامتد الحال الخامس أن يصلي بمكة خارج المسجد فإن عاين الكعبة كمن يصلي على جبل أبي قبيس صلى إليها ولو بنى محرابه على العيان صلى إليه أبدا ولا يحتاج في كل صلاة إلى المعاينة وفي معنى المعاين من نشأ بمكة وتيقن إصابة الكعبة وإن لم يشاهدها حال الصلاة فإن لم يعاين ولا تيقن الإصابة فله اعتماد الأدلة والعمل بالاجتهاد إن حال بينه وبين الكعبة حائل أصلي كالجبل وكذا إن كان الحائل طارئا كالبناء على الأصح للمشقة في تكليف المعاينة الحال السادس أن يصلي بالمدينة فمحراب رسول الله صلى الله عليه وسلم نازل منزلة الكعبة فمن يعاينه يستقبله ويسوي محرابه عليه بناء على العيان أو الاستدلال كما ذكرنا في الكعبة ولا يجوز العدول عنه بالاجتهاد بحال وفي معنى المدينة سائر البقاع التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ضبط المحراب وكذا المحاريب المنصوبة في بلاد المسلمين وفي الطريق التي هي جادتهم يتعين استقبالها ولا يجوز الاجتهاد وكذا القرية الصغيرة إذا نشأ فيها قرون من المسلمين ولا اعتماد على علامة بطريق يندر مرور الناس به أو يستوي مرور المسلمين والكفار به أو بقرية خربة لا يدرى بناها المسلمون أو الكفار بل يجتهد ثم هذه المواضع التي منعنا الاجتهاد فيها في الجهة هل يجوز في التيامن والتياسر إن كان محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز بحال ولو تخيل حاذق في معرفة القبلة فيه تيامنا أو تياسرا فليس له ذلك وخياله باطل وأما سائر البلاد فيجوز على الأصح الذي قطع به الأكثرون والثاني لا يجوز والثالث لا يجوز في الكوفة خاصة والرابع لا يجوز في الكوفة والبصرة لكثرة من دخلهما من الصحابة رضي الله عنهم الحال السابع إذا كان بموضع لا يقين فيه اعلم أن القادر على يقين القبلة لا يجوز له الاجتهاد وفيمن استقبل حجر الكعبة مع تمكنه منها وجهان الأصح المنع لأن كونه من البيت غير مقطوع به بل هو مظنون ثم اليقين قد يحصل بالمعاينة وبغيرها كالناشيء بمكة العارف يقينا بأمارات وكما لايجوز الاجتهاد مع القدرة على اليقين لا يجوز اعتماد قول غيره وأما غير القادر على اليقين فإن وجد من يخبره بالقبلة عن علم اعتمده ولم يجتهد بشرط عدالة المخبر يستوي فيه الرجل والمرأة والعبد ولا يقبل كافر قطعا ولا فاسق ولا صبي ولا مميز على الصحيح فيهما ثم قد يكون الخبر صريح لفظ وقد يكون دلالة كالمحراب المعتمد وسواء في العمل بالخبر أهل الاجتهاد وغيرهم حتى الأعمى يعتمد المحراب إذا عرفه باللمس حيث يعتمده البصير وكذا البصير في الظلمة وقال صاحب العدة إنما يعتمد الأعمى على المس في محراب رآه قبل العمى فإن لم يكن شاهده لم يعتمده ولو اشتبه عليه مواضع لمسها فلا شك أنه يصبر حتى يخبره غيره صريحا فإن خاف فوت الوقت صلى على حسب حاله وأعاد هذا كله إذا وجد من يخبره عن علم وهو ممن يعتمد قوله أما إذا لم يجد العاجز من يخبره فتارة يقدر على الاجتهاد وتارة لا يقدر فإن قدر لزمه واستقبل ما ظنه القبلة ولا يصح الاجتهاد إلا بأدلة القبلة وهي كثيرة فيها كتب مصنفة وأضعفها الرياح لاختلافها وأقواها القطب وهو نجم صغير في بنات نعش الصغرى بين الفرقدين والجدي إذا جعله الواقف خلف أذنه اليمنى كان مستقبلا القبلة إن كان بناحية الكوفة وبغداد وهمدان وقزوين وطبرستان وجرجان وما والاها وليس للقادر على الاجتهاد تقليد غيره فإن فعل وجب قضاء الصلاة وسواء خاف خروج الوقت أم لم يخفه لكن إن ضاق الوقت صلى كيف كان وتجب الاعادة هذا هو الصحيح وفيه وجه لابن سريج أنه يقلد عند خوف الفوات وفي وجه ثالث يصبر إلى أن تظهر القبلة وإن فات الوقت ولو خفيت الدلائل على المجتهد لغيم أو ظلمة أو تعارض أدلة فثلاثة طرق أصحها قولان أظهرهما لا يقلد والثاني يقلد والطريق الثاني يقلد والثالث يصلي بلا تقليد كيف كان ويقضي فإن قلنا يقلد لم يلزمه الاعادة على الصحيح وقول الجمهور قال إمام الحرمين هذه الطرق إذا ضاق الوقت وقبل ضيقه يصبر ولا يقلد قطعا لعدم الحاجة قال وفيه احتمال من التيمم أول الوقت أما إذا لم يقدر على الاجتهاد فإن عجز عن تعلم أدلة القبلة كالأعمى والبصير الذي لا يعرف الأدلة ولا له أهلية معرفتها وجب عليه تقليد مكلف مسلم عدل عارف بالأدلة سواء فيه الرجل والمرأة والعبد وفي وجه شاذ له تقليد صبي مميز والتقليد قبول قوله المستند إلى الاجتهاد فلو قال بصير رأيت القطب أو رأيت الخلق العظيم من المسلمين يصلون إلى هنا كان الأخذ به قبول خبر لا تقليدا ولو اختلف عليه اجتهاد مجتهدين قلد من شاء منهما على الصحيح والأولى تقليد الأوثق والأعلم‏.‏

وقيل يجب ذلك وقيل يصلي مرتين إلى الجهتين وأما المتمكن من تعلم أدلة القبلة فيبنى على أن تعلمها فرض كفاية أم عين والأصح فرض عين‏.‏

قلت المختار ما قاله غيره أنه إن أراد سفرا ففرض عين لعموم حاجة المسافر إليها وكثرة الاشتباه عليه وإلا ففرض كفاية إذا لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم ثم السلف ألزموا آحاد الناس بذلك بخلاف أركان الصلاة وشروطها والله أعلم‏.‏

فإن قلنا ليس بفرض عين صلى بالتقليد ولا يقضي كالأعمى وإن قلنا فرض عين لم يجز التقليد فإن قلد قضى لتقصيره وإن ضاق الوقت عن التعلم فهو كالعالم إذا تحير وتقدم الخلاف فيه‏.‏

فرع المصلي بالاجتهاد إذا ظهر له الخطأ في الاجتهاد له أحوال أحدها أن يظهر قبل الشروع في الصلاة فإن تيقن الخطأ في اجتهاده أعرض عنه واعتمد الجهة التي يعلمها أو يظنها الآن وإن لم يتيقن بل ظن أن الصواب جهة أخرى فإن كان دليل الاجتهاد الثاني عنده أوضح من الأول الآن اعتمد الثاني وإن كان الأول أوضح اعتمده وإن تساويا فله الخيار فيهما على الأصح وقيل يصلي إلى الجهتين مرتين الحال الثاني أن يظهر الخطأ بعد الفراغ من الصلاة فإن تيقنه وجبت الاعادة على الأظهر سواء تيقن الصواب أيضاً أم لا وقيل القولان إذا تيقن الخطأ وتيقن الصواب أما إذا لم يتيقن الصواب فلا إعادة قطعا والمذهب الأول ولو تيقن الخطأ الذي قلده الأعمى فهو كتيقن خطأ المجتهد وأما إذا لم يتيقن الخطأ بل ظنه فلا إعادة عليه فلو صلى أربع صلوات إلى أربع جهات باجتهادات فلا إعادة على الصحيح وعلى وجه شاذ يجب إعادة الأربع وقيل يجب إعادة غير الأخيرة ويجري هذا الخلاف سواء أوجبنا تجديد الاجتهاد أم لم نوجبه ففعله‏.‏

الحال الثالث أن يظهر الخطأ في أثناء الصلاة وهو ضربان أحدهما يظهر الصواب مقترنا بظهور الخطأ فإن كان الخطأ متيقنا بنيناه على القولين في تيقن الخطأ بعد الفراغ فإن قلنا بوجوب الاعادة بطلت صلاته وإلا فوجهان وقيل قولان أصحهما ينحرف إلى جهة الصواب ويتم صلاته والثاني تبطل وإن لم يكن الخطأ متيقنا بل مظنونا فعلى هذين الوجهين أو القولين الأصح ينحرف ويبني وعلى هذا الأصح لو صلى أربع ركعات إلى أربع جهات باجتهادات فلا إعادة كالصلوات وخص صاحب التهذيب الوجهين بما إذا كان الدليل الثاني أوضح من الأول قال فإن استويا تمم صلاته إلى الجهة الأولى ولا إعادة الضرب الثاني أن لا يظهر الصواب مع الخطأ فإن عجز عن الصواب بالاجتهاد على القرب بطلت صلاته إن قدر عليه على القرب فهل ينحرف ويبني أم يستأنف فيه خلاف مرتب على الضرب الأول وأولى بالاستئناف‏.‏

قلت الصواب هنا وجوب الاستئناف والله أعلم‏.‏

مثاله عرف أن قبلته يسار المشرق فذهب الغيم وظهر كوكب قريب من الافق هو مستقبله فعلم الخطأ يقينا ولم يعلم الصواب إذ يحتمل كون الكوكب في المشرق ويحتمل المغرب لكن يعرف الصواب على قرب فإنه يرتفع فيعلم أنه مشرق أو ينحط فيعلم أنه مغرب ويعرف به القبلة وقد يعجز عن ذلك بأن يطبق الغيم عقب الكوكب‏.‏

فرع في المطلوب بالاجتهاد المطلوب بالاجتهاد قولان أحدهما جهة الكعبة وأظهرهما عينها اتفق العراقيون والقفال على تصحيحه ولو ظهر الخطأ في التيامن أو التياسر فإن كان ظهوره بالاجتهاد وظهر بعد الفراغ لم يؤثر قطعا وإن كان في أثنائها انحرف وأتمها قطعا وإن كان ظهور باليقين وقلنا الفرض جهة الكعبة فكذلك وإن قلنا عينها ففي وجوب الاعادة بعد الفراغ والاستئناف في الأثناء القولان قال صاحب التهذيب وغيره ولا يستيقن الخطأ في الانحراف مع البعد عن مكة وإنما يظن ومع القرب يمكن التيقن والظن وهذا كله كالتوسط بين اختلاف أطلقه أصحابنا العراقيون أنه هل يتيقن الخطأ في الانحراف من غير معاينة الكعبة من غير فرق بين القرب من مكة والبعد فقالوا قال الشافعي رحمه الله لا يتصور إلا بالمعاينة وقال بعض الأصحاب يتصور‏.‏

فرع إذا صلى باجتهاد ثم أراد فريضة أخرى حاضرة أو فائتة وجب الاجتهاد على الأصح ثم قيل الوجهان إذا لم يفارق موضعه فإن فارقه وجب إعادته قطعا كالتيمم ولكن الفرق ظاهر ولا يحتاج إلى تجديد الاجتهاد للنافلة قطعا ولو رأى اجتهاد رجلين إلى جهتين عمل كل باجتهاده ولا يقتدي بصاحبه ولو اجتهد جماعة واتفق اجتهادهم فأمهم أحدهم ثم تغير اجتهاد مأموم لزمه المفارقة وينحرف إلى الجهة الثانية وهل له البناء أم عليه الاستئناف فيه الخلاف المتقدم في تغير الاجتهاد في أثناء الصلاة وهل هو مفارق بعذر أو بغير عذر لتركه كمال البحث وجهان قلت الأصح الأول والله أعلم‏.‏

ولو تغير اجتهاد الإمام انحرف إلى الجهة الثانية بانيا أو مستأنفا على الخلاف ويفارقه المأمومون ولو اختلف اجتهاد رجلين في التيامن والتياسر والجهة الواحدة فإن أوجبنا على المجتهد رعاية ذلك فهو كالاختلاف في الجهة فلا يقتدي أحدهما بالآخر وإلا فلابأس ولو شرع المقلد في الصلاة بالتقليد فقال له عدل أخطأ بك فلان فله حالان أحدهما أن يكون قوله عن اجتهاد فإن كان قول الأول أرجح عنده لزيادة عدالته أو هدايته للأدلة أو مثله أو لم يعرف هل هو مثله أم لا لم يجب العمل بقول الثاني وهل تجوز العمل به يبني على أن المقلد إذا وجد مجتهدين هل يجب الأخذ بأعلمهما أم يتخير فإن قلنا بالأول لم يجز وإلا ففيه خلاف قلت الصحيح أنه لا يجوز والله أعلم‏.‏

وإن كان الثاني أرجح فهو كتغير اجتهاد البصير فينحرف ويجيء الخلاف في أنه يبني أم يستأنف ولو قال له المجتهد الثاني بعد الفراغ من الصلاة لم يلزم الاعادة قطعا وإن كان الثاني أرجح كما لو تغير اجتهاده بعد الفراغ الحال الثاني أن يخبر عن علم ومعاينه فيجب الرجوع إلى قوله وإن كان قول الأول أقوى عنده ومن هذا القبيل أن يقول للأعمى أنت مصل إلى الشمس والأعمى يعلم أن قبلته إلى غير الشمس فيلزم الاستئناف على الأظهر ولو قال الثاني أنت على الخطأ قطعا وجب قبوله قطعا وسواء أخبره هذا القاطع بالخطأ عن الصواب متيقنا أو مجتهدا يجب قبوله لأن تقليد الأول بطل بقطع هذا وكل المذكور في الحالين مفروض فيما إذا أخبر الثاني بالخطأ والصواب جميعا فإن أخبره عن الخطأ وحده على صورة يجب قبولها ولم يخبر هو ولا غيره بالصواب فهو كاختلاف المجتهدين عليه في أثناء الصلاة وقد سبق في الفرع‏.‏

 الباب الرابع في صفة الصلاة

تشتمل على أركان وسنن تسمى أبعاضا وسنن لا تسمى أبعاضا فالأركان المتفق عليها سبعة عشر النية والتكبير والقيام والقراءة والركوع والطمأنينة فيه والاعتدال والطمأنينة فيه والسجود والطمأنية فيه والجلوس بين السجدتين والطمأنينة فيه والقعود في آخر الصلاة والتشهد فيه والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه والسلام وترتيبها هكذا‏.‏

ومن فرض فيها الموالاة ونية الخروج ألحقهما بالأركان وضم صاحب التلخيص والقفال إلى الأركان استقبال القبلة ومن الأصحاب من جعل نية الصلاة شرطا والأكثرون على أنها ركن وهو الصحيح وأما الأبعاض فستة أحدها القنوت في الصبح وفي الوتر في النصف الثاني من شهر رمضان والثاني القيام للقنوت والثالث التشهد الأول والرابع الجلوس له والخامس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول إذا قلنا تسن والصلاة على آل النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول والآخر إذا قلنا هي سنة فيهما وأما السنن التي ليست أبعاضا فما يشرع سوى ما قدمناه‏.‏

 فصل في النية

يجب مقارنتها التكبير وفي كيفية المقارنة وجهان أحدهما يجب أن يبتدىء النية بالقلب مع ابتداء التكبير باللسان ويفرغ منها مع فراغه منه وأصحهما لا يجب هذا بل لا يجوز لئلا يخلو أول التكبير عن تمام النية فعلى هذا قيل يجب أن تقدم النية على التكبير ولو بشيء يسير والصحيح الذي قاله الأكثرون لا يجب ذلك بل الاعتبار بالمقارنة وسواء قدم أم لم يقدم يجب استصحاب النية إلى انقضاء التكبير على الأصح وعلى الثاني لا يجب والنية هي القصد فيحضر المصلي في ذهنه ذات الصلاة وما يجب التعرض له من صفاتها كالظهرية والفرضية وغيرهما ثم يقصد هذه العلوم قصدا مقارنا لأول التكبير ولا يجب استصحاب النية بعد التكبير ولكن يشترط أن لا يأتي بمناقض لها ولو نوى في أثناء الصلاة الخروج منها بطلت وإن تردد في أن يخرج أو يستمر بطلت والمراد بالتردد أن يطرأ شك مناقض للجزم ولا عبرة بما يجري في الفكر أنه لو تردد في الصلاة كيف يكون الحال فإن ذلك مما يبتلى به الموسوس وقد يقع ذلك في الإيمان بالله تعالى فلا مبالاة بذلك قاله امام الحرمين ولو نوى في الركعة الأولى الخروج في الثانية أو علق الخروج بشيء يوجد في صلاته قطعا بطلت في الحال على الصحيح وعلى الشاذ لا تبطل في الحال بل لو رفض هذا التردد قبل الانتهاء إلى الغاية المنوية صحت صلاته ولو علق الخروج بدخول شخص ونحوه مما يحتمل حصوله في الصلاة وعدمه بطلت في الحال على الأصح كما لو دخل في الصلاة هكذا فإنه لا ينعقد بلا خلاف وكما لو علق به الخروج من الاسلام فإنه يكفر في الحال قطعا والثاني لا تبطل في الحال وهل تبطل بوجود الصفة إذا وجدت وهو ذاهل عن التعليق وجهان أحدهما لا وأصحهما وقول الأكثرين تبطل قال إمام الحرمين ويظهر على هذا أن يقال تبين بالصفة بطلانها من حين التعليق أما إذا وجدت وهو ذاكر للتعليق فتبطل قطعا ولو نوى فريضة أو سنة راتبة ثم نوى فيها فريضة أخرى أو راتبة بطلت التي كان فيها ولم تحصل المنوية‏.‏

وفي بقاء أصل الصلاة نافلة قولان نذكرهما إن شاء الله تعالى ولو تردد الصائم في الخروج من صومه أو علقة على دخول شخص ونحوه لم يبطل على المذهب الذي قطع به الجماهير وقيل وجهان ولو جزم نية الخروج منه لم يبطل على الأصح كالحج فإنه لا يبطل قطعا ولو شك في صلاته هل أتى بكمال النية أم تركها أو ترك بعض شروطها نظر إن تذكر أنه أتى بكمالها قبل أن يحدث شيئا على الشك وقصر الزمان لم تبطل صلاته وإن طال بطلت على الأصح لانقطاع نظمها وإن تذكر بعد أن أتى على الشك بركن فعلي كالركوع أو السجود بطلت وإن أتى بقولي كالقراءة والتشهد بطلت أيضاً على الأصح المنصوص والذي قطع به العراقيون‏.‏

قلت قال الماوردي لو شك هل نوى ظهرا أو عصرا لم يجزئه عن واحدة فإن تيقنها فعلى التفصيل المذكور والله أعلم‏.‏

فرع في كيفية النية أما الفريضة فيجب فيها قصد أمرين بلا خلاف أحدهما فعل الصلاة لتمتاز عن سائر الأفعال ولا يكفي إحضار نفس الصلاة بالبال غافلا عن الفعل والثاني تعيين الصلاة لمأتي بها ولا تجزئه نية فريضة الوقت عن نية الظهر أو العصر على الأصح لأن الفائتة التي يتذكرها تشاركها في كونها فريضة الوقت ولا تصح الظهر بنية الجمعة على الصحيح الصواب ولا تصح الجمعة بنية مطلق الظهر ولا تصح بنية الظهر المقصورة إن قلنا إنها صلاة بحيالها وإن قلنا ظهر مقصورة صحت واختلفوا في اعتبار أمور سوى هذين الأمرين أحدها الفرضية وهو شرط على الأصح عند الأكثرين سواء كان الناوي بالغا أو صبيا وسواء كانت الصلاة قضاء أم أداء الثاني الاضافة إلى الله تعالى بأن يقول لله أو فريضة الله والأصح أنه لا يشترط الثالث القضاء والأداء الأصح أنه لا يشترط بل تصح أداء بنية القضاء وعكسه ولك أن تقول الخلاف في اشتراط نية الأداء في الأداء ونية القضاء في القضاء ظاهر أما الخلاف في صحة الأداء بنية القضاء وعكسه فليس بظاهر لأنه إن جرت هذه النية على لسانه أو في قلبه ولم يقصد حقيقة معناها فينبغي أن تصح قطعا وإن قصد حقيقة معناه فينبغي أن لا يصح قطعا لتلاعبه‏.‏

قلت مراد الأصحاب بقولهم يصح القضاء بنية الأداء وعكسه من نوى ذلك جاهل الوقت لغيم ونحوه والإلزام الذي ذكره الرافعي حكمه صحيح ولكن ليس هو مرادهم والله أعلم‏.‏

الرابع التعرض لاستقبال القبلة وعدد الركعات المذهب أنه لا يشترط وقيل يشترط وهو غلط لكن لو نوى الظهر ثلاثا أو خمسة لم تنعقد وأما النافلة فضربان أحدهما ما لها وقت أو سبب فيشترط فيها نية فعل الصلاة والتعيين فينوي صلاة الاستسقاء أو الخسوف أو عيد الفطر أو النحر أو الضحى وغيرها وفي الرواتب يعين بالإضافة فيقول سنة الفجر أو راتبة الظهر أو سنة العشاء وفي وجه ضعيف يكفي فيما عدا ركعتي الفجر من الرواتب نية أصل الصلاة لتأكد ركعتي الفجر فألحقت بالفرائض وأما الوتر فينوي سنة الوتر ولا يضيفها إلى العشاء لأنها مستقلة فإن أوتر بأكثر من واحدة نوى بالجميع الوتر كما ينوي في جميع ركعات التراويح وفي وجه ينوي بما قبل الواحدة صلاة الليل وفي وجه ينوي به سنة الوتر وفي وجه مقدمة الوتر والظاهر أن هذه الأوجه في الأولوية دون الاشتراط وفي اشتراط نية النفلية في هذا الضرب والأداء والقضاء والإضافة إلى الله تعالى الخلاف المتقدم في الفريضة الضرب الثاني النافلة المطلقة فيكفي فيها نية فعل الصلاة ولم يذكروا هنا خلافا في اشتراط التعرض للنفلية ويمكن أن يقال مقتضى اشتراط الفرضية في الفرض اشتراط النفلية هنا قلت الصواب الجزم بعدم اشتراط النفلية في الضربين ولا وجه للاشتراط في الأول والله أعلم‏.‏

فرع النية في جميع العبادات معتبرة بالقلب ولا يكفي فيها نطق اللسان مع غفلة القلب ولا يشترط ولا يضر مخالفته القلب كمن قصد بقلبه الظهر وجرى لسانه بالعصر انعقد ظهره ولنا وجه شاذ أنه يشترط نطق اللسان وهو غلط ولو عقب النية بقوله إن شاء الله تعالى بالقلب أو باللسان فإن قصد به التبرك ووقوع الفعل بمشيئة الله تعالى لم يضر وإن قصد الشك لم تصح صلاته‏.‏

من أتى بما ينافي الفريضة دون النفلية في أول صلاته أو وبطل فرضه هل تبقى صلاته نافلة أم تبطل قولان اختلف في الأصح منهما الأصحاب بحسب الصور فمنها إذا تحرم بالظهر قبل الزوال فإن كان عالما بحقيقة الحال فالأظهر البطلان وإن جهل فالأظهر انعقادها نافلة ومثله لو وجد المسبوق الإمام راكعا فأتى ببعض تكبيرة الاحرام في الركوع لا ينعقد الفرض فإن كان عالما بتحريمه فالأظهر البطلان وإلا فالأظهر انعقادها نفلا ومنها لو أحرم بفريضة منفردا ثم أقيمت جماعة فسلم من ركعتين ليدركها فالأظهر صحتها نفلا ومنها لو وجد المصلي قاعدا خفة في صلاته فلم يقم أو أحرم القادر على القيام بالفرض قاعدا أو قلب المصلي فرضه نفلا بلا سبب فالأظهر البطلان في الثلاثة

 فصل في تكبيرة الاحرام

أما القادر عليها فيتعين عليه كلمة التكبير ولا يجزىء ما قرب منها ك الرحمن أجل والرب أعظم أو الرحمن الرحيم أكبر في وجه شاذ يجزئه الرحمن أكبر أو الرحيم أكبر ولو قال الله الأكبر أجزأه على المشهور كما لو قال الله أكبر من كل شيء أو الله أكبر وأجل وأعظم ولو قال الله الجليل أكبر أجزأه على الصحيح ويجري الخلاف فيما إذا أدخل بين كلمتي التكبير لفظا آخر من صفات الله تعالى بشرط أن يقل لفظه كقوله الله عز وجل أكبر فإن طال كقوله الله الذي لاإله إلا هو الملك القدوس أكبر لم يجزئه قطعا لخروجه عن اسم التكبير ولو قال أكبر الله أو الأكبر الله لم تنعقد صلاته على المذهب وقيل قولان وقيل لا ينعقد الأول وفي الثاني الطريقان ويجب الاحتراز في لفظ التكبير عن وقفة بين كلمتيه وعن زيادة تغير المعنى بأن يقول آلله أكبر بمد همزة الله أو الله أكبار أو يزيد واوا ساكنة أو متحركة بين الكلمتين ولا يضر المد في موضعه ويجب أن يكبر بحيث يسمع نفسه ويجب أن يكبر قائما حيث يجب القيام ولا يجزئه ترجمة التكبير بغير لسان العرب مع القدرة عليه أما العاجز عن كلمة التكبير أو بعضها فله حالان أحدهما أن لا يمكنه كسب القدرة فإن كان بخرس أو نحوه حرك لسانه وشفتيه ولهاته بالتكبير قدر إمكانه وإن كان ناطقا لا يطاوعه لسانه أتى بترجمة التكبير ولا يعدل إلى ذكر آخر ثم جميع اللغات في الترجمة سواء فيتخير بينها على الصحيح وقيل إن أحسن السريانية أو العبرانية تعينت لشرفها بإنزال الكتاب بها والفارسية بعدهما أولى من التركية والهندية‏.‏

الحال الثاني أن يمكنه القدرة بتعلم أو نظر في موضع كتب عليه لفظ التكبير فيلزمه ذلك ولو كان ببادية أو موضع لا يجد فيه من يعلمه لزمه السير إلى قرية يتعلم بها على الأصح والثاني يكفيه الترجمة ولا يجوز في أول الوقت لمن أمكنه التعلم في آخره وإذا صلى بالترجمة في الحال الأول فلا إعادة وأما الحال الثاني فإن ضاق الوقت عن التعلم لبلادة ذهنه أو قلة ما أدركه من الوقت فلا إعادة أيضاً وإن أخر التعلم مع التمكن وضاق الوقت صلى بالترجمة وتجب الإعادة على الصحيح والصواب‏.‏

قلت ومن فروع الفصل ما ذكره صاحب التلخيص والبغوي والأصحاب أنه لو كبر للاحرام أربع تكبيرات أو أكثر دخل في الصلاة بالأوتار وبطلت بالأشفاع وصورته أن ينوي بكل تكبيرة افتتاح الصلاة ولم ينو الخروج عن الصلاة بين كل تكبيرتين فبالأولى دخل في الصلاة وبالثانية خرج وبالثالثة دخل وبالرابعة خرج وبالخامسة دخل وبالسادسة خرج وهكذا أبدا لأن من افتتح صلاة ثم نوى افتتاح صلاة بطلت صلاته ولو نوى افتتاح الصلاتين بين كل تكبيرتين فبالنية يخرج وبالتكبير يدخل ولو لم ينو بالتكبيرة الثانية وما بعدها افتتاحا ولا خروجا صح دخوله بالأولى وباقي التكبيرات ذكر لا تبطل به الصلاة والله أعلم‏.‏

فرع رفع اليدين عند تكبيرة الاحرام سنة والمذهب أنه يرفعهما بحيث تحاذي أطراف أصابعه أعلى أذنيه وجبهاماه شحمتي أذنيه وكفاه منكبيه وهذا معنى قول الشافعي والأصحاب رضي الله عنهم يرفعهما حذو منكبيه وأما حكاية الغزالي فيه ثلاثة أقوال فمنكرة ولو كان أقطع اليدين أو واحدة من المعصم رفع الساعد وإن قطع من المرفق رفع العضد على الأصح ولو لم يمكنه الرفع إلا بزيادة على المشروع أو نقص أتى بالممكن فإن قدر عليهما أتى بالزيادة‏.‏

قلت يستحب أن يكون كفه إلى القبلة عند الرفع قاله في التتمة ويستحب الرفع لكل مصل قائم وقاعد مفترض ومتنفل إمام ومأموم والله أعلم‏.‏

وفي وقت الرفع أوجه أحدها يرفع غير مكبر ثم يبتدىء التكبير مع إرسال اليدين وينهيه مع انتهائه والثاني يرفع غير مكبر ثم يكبر ويداه قارتان ثم يرسلهما وصححه البغوي والثالث يبتدىء الرفع مع ابتداء التكبير وينهيهما معا والرابع يبتدئهما معا وينهي التكبير مع انتهاء الإرسال والخامس وهو الأصح يبتدىء الرفع مع ابتداء التكبير ولا استحباب في الانتهاء فإن فرغ من التكبير قبل تمام الرفع أو بالعكس أتم الباقي وإن فرغ منهما حط يديه ولم يستدم الرفع ولو ترك رفع اليدين حتى أتى ببعض التكبير رفعهما في الباقي فإن أتمه لم يرفع بعده ويستحب كشف اليدين عند الرفع وأن يفرق أصابعهما تفريقا وسطا وأن لا يقصر التكبير بحيث لا يفهم ولا يمططه بأن يبالغ في مده بل يأتي به مبينا والأولى فيه الحذف على الصحيح فرع السنة بعد التكبير حط اليدين ووضع اليمنى على اليسرى فيقبض بكفه اليمنى كوع اليسرى وبعض قال القفال ويتخير بين بسط أصابع اليمنى في عرض المفصل وبين نشرها في صوب الساعد ثم يضع يديه كما ذكرنا تحت صدره وفوق سرته على الصحيح وعلى الشاذ تحت سرته واختلفوا في أنه إذا أرسل يديه هل يرسلهما إرسالا بليغا ثم يستأنف رفعهما إلى تحت صدره ووضع اليمنى على اليسرى أم يرسلهما إرسالا خفيفا إلى تحت صدره حسب ثم يضع قلت الأصح الثاني والله أعلم‏.‏

 فصل في القيام

اعلم أن القيام أو ما يقوم مقامه ركن في الصلاة ويقوم القعود مقامه في النافلة وفي الفريضة عند العجز ويشترط في القيام الانتصاب وهل يشترط الاستقلال بحيث لا يستند فيه أوجه أصحها وهو المذكور في التهذيب وغيره لا يشترط فلو استند إلى جدار أو انسان بحيث لو رفع السناد لسقط صحت صلاته مع الكراهة والثاني يشترط ولا يصح مع الاسناد عند القدرة بحال والثالث يجوز إن كان بحيث لو رفع السناد لم يسقط وإلا فلا هذا في استناد لا يسلب اسم القيام فإن استند متكئا بحيث لو رفع قدميه عن الأرض لأمكنه البقاء فهذا معلق نفسه بشيء وليس بقائم أما إذا لم يقدر على الاستقلال فيجب أن ينتصب متكئا على الصحيح وفي وجه شاذ لا يلزمه القيام في هذا الحال بل له الصلاة قاعدا وأما الانتصاب المشروط فلا يخل به إطراق الرأس وإنما المعتبر نصب فقار الظهر فليس للقادر أن يقف مائلا إلى اليمين أو اليسار زائلا عن سنن القيام ولا أن يقف منحنيا في حد الراكعين فإن لم يبلغ انحناؤه حد الركوع لكن كان إليه أقرب منه إلى الانتصاب لم يصح على الأصح‏.‏

قلت ولو لم يقدر على النهوض للقيام إلا بمعين ثم لا يتأذى بالقيام لزمه أن يستعين بمن يقيمه فإن لم يجد متبرعا لزمه الاستئجار بأجرة المثل إن وجدها والله أعلم‏.‏

هذا في القادر على الانتصاب فأما العاجز كمن تقوس ظهره لزمانة أو كبر وصار في حد الراكعين فيلزمه القيام فإذا أراد الركوع زاد في الانحناء إن قدر عليه هذا هو الصحيح الذي قطع به العراقيون وصاحب التتمة والتهذيب ونص عليه الشافعي رضي الله عنه وقال إمام الحرمين والغزالي يلزمه أن يصلي قاعدا قالا فإن قدر عند الركوع على الارتفاع إلى حد الراكعين لزمه ولو عجز عن الركوع والسجود دون القيام لعلة بظهره تمنع الانحناء لزمه القيام ويأتي بالركوع والسجود بحسب الطاقة فيحني صلبه قدر الإمكان فإن لم يطق حنى رقبته ورأسه فإن احتاج فيه إلى فإن لم يطق الانحناء أصلا أومأ إليهما قلت وإذا أمكنه القيام والاضطجاع ولم يمكنه القعود قال صاحب التهذيب يأتي بالقعود قائما لأنه قعود وزيادة واعلم بأنه يكره للصحيح أن يقوم على إحدى رجليه ويصح‏.‏

ويكره أن يلصق القدمين بل يستحب التفريق بينهما وتطويل القيام عندنا أفضل من تطويل الركوع والسجود وتطويل السجود أفضل من تطويل الركوع وإذا طول الثلاثة زيادة على ما يجوز الاقتصار عليه فالأصح أن الجميع يكون واجبا والثاني يقع ما زاد سنة ومثله الخلاف في مسح جميع الرأس وفي البعير المخرج في الزكاة عن خمس وفي البدنة المضحى بها بدلا عن شاة منذورة والله أعلم‏.‏

فرع إذا عجز عن القيام في صلاة الفرض عدل إلى القعود ولا لأنه معذور ولا نعني بالعجز عدم تأتي القيام بل خوف الهلاك أو زيادة المرض أو لحوق مشقة شديدة أو خوف الغرق ودوران الرأس في حق راكب السفينة‏.‏

قلت الذي اختاره إمام الحرمين في ضبط العجز أن يلحقه بالقيام مشقة تذهب خشوعه ولو جلس للغزاة رقيب يرقب العدو فأدركته الصلاة ولو قام لرآه العدو أو جلس الغزاة في مكمن ولو قاموا رآهم العدو وفسد التدبير فلهم الصلاة قعودا وتجب الإعادة لندوره‏.‏

قلت قال صاحب التتمة في غير الرقيب إن خاف لو قام أن يقصده العدو وصلى قاعدا أجزأته على الصحيح ولو صلى الكمين في وهدة قعودا ففي صحتها قولان والله أعلم‏.‏

ثم إذا قعد المعذور لا يتعين لقعوده هيئة بل يجزئه جميع هيئات القعود لكن يكره الإقعاء في هذا القعود وفي جميع قعدات الصلاة وفي المراد بالإقعاء ثلاثة أوجه أصحها أنه الجلوس على الوركين ونصب الفخذين والركبتين وضم إليه أبو عبيد أن يضع يديه على الأرض والثاني أن يفرش رجليه ويضع إليه على عقبيه والثالث أن يضع يديه على الأرض ويقعد على أطراف أصابعه‏.‏

قلت الصواب هو الأول وأما الثاني فغلط فقد ثبت في صحيح مسلم أن الإقعاء سنة نبينا صلى الله عليه وسلم وفسره العلماء بما قاله الثاني ونص على استحبابه الشافعي رحمه الله في البويطي والإملاء في الجلوس بين السجدتين قال العلماء فالإقعاء ضربان مكروه وغيره فالمكروه المذكور في الوجه الأول وغيره الثاني والله أعلم‏.‏

وفي الأفضل من هيئات القعود قولان ووجهان أحد القولين وهو أصح الجميع يقعد مفترشا وثانيهما متربعا وأحد الوجهين متوركا وثانيهما ناصبا ركبته اليمنى جالسا على رجله اليسرى ويجري الخلاف في قعود النافلة وأما ركوع القاعد فأقله أن ينحني قدر ما يحاذي وجهه ما قدام ركبتيه من الأرض وأكمله أن ينحني بحيث تحاذي جبهته موضع سجوده وأما سجوده فكسجود القائم هذا إذا قدر القاعد على الركوع والسجود فإن عجز لعلة بظهره أو غيرها فعل الممكن من الانحناء ولو قدر القاعد على الركوع وعجز عن وضع الجبهة على الأرض نظر إن قدر على أقل ركوع القاعد وأكمله من غير زيادة أتى بالممكن مرة عن الركوع ومرة عن السجود ولا يضر استواؤهما وإن قدر على زيادة على كمال الركوع وجب الاقتصار في الانحناء للركوع على قدر الكمال ليتميز عن السجود ويلزمه أن يقرب جبهته من الأرض للسجود أكثر ما يقدز عليه حتى قال الأصحاب لو قدر أن يسجد على صدغه أو عظم رأسه الذي فوق الجبهة وعلم أنه إذا فعل ذلك كانت جبهته أقرب إلى الأرض لزمه ذلك قلت قال الشافعي رحمه الله في الأم والأصحاب لو قدر أن يصلي قائما منفردا وإذا صلى مع الجماعة احتاج أن يصلي بعضها من قعود فالأفضل أن يصلي منفردا فإن صلى مع الجماعة وقعد في بعضها صحت ولو كان بحيث لو اقتصر على قراءة الفاتحة أمكنه القيام وإذا زاد عجز صلى بالفاتحة فلو شرع في السورة فعجز قعد ولا يلزمه قطع السورة ليركع فرع فيما إذا عجز عن القعود قد ذكرنا أن العجز عن القيام بتعذره أو لحوق مشقة شديدة أو غيرهما مما قدمناه قال الجمهور والعجز عن القعود يحصل بما يحصل به العجز عن القيام وقال إمام الحرمين لا يكفي ذلك بل يشترط فيه عدم تصور القعود أو خيفة الهلاك أو المرض الطويل إلحاقا له بالمرض المبيح للتيمم وفي كيفية صلاته وجهان وقيل قولان أصحهما أنه يضطجع على جنبه الأيمن مستقبلا بوجهه ومقدم بدنه القبلة كالميت في لحده فلو خالف واضطجع على جنبه الأيسر صح إلا أنه ترك السنة والثاني أنه يستلقي على ظهره ويجعل رجليه إلى القبلة ويرفع وسادته قليلا وهذا الخلاف في القادر على الاضطجاع والاستلقاء فإن لم يقدر إلا على أحدهما أتى به قال إمام الحرمين هذا الخلاف في الكيفية الواجبة بخلاف الخلاف السابق في كيفية القعود فإنه في الأفضل لاختلاف استقبال بهذا دون ذاك وفي المسألة وجه ثالث أنه يضطجع على جنبه وأخمصاه إلى القبلة ثم إذا صلى على هيئة من هذه الهيئات وقدر على الركوع والسجود أتى بهما وإلا أومأ بهما منحنيا وقرب جبهته من الأرض بحسب الإمكان و جعل السجود أخفض من الركوع فإن عجز عن الإشارة بالرأس أومأ بطرفه فإن عجز عن تحريك الأجفان أجرى أفعال الصلاة على قلبه فإن اعتقل لسانه أجرى القرآن والأذكار على قلبه وما دام عاقلا لا تسقط عنه الصلاة ولنا وجه أنه تسقط الصلاة إذا عجز عن الايماء بالرأس وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله‏.‏

وهو شاذ والمعروف في المذهب ما قدمناه‏.‏

فرع القادر على القيام إذا أصابه رمد وقال له طبيب موثوق به صليت مستلقيا أو مضطجعا أمكن مداواتك وإلا خيف عليك العمى جاز له الاضطجاع والاستلقاء على الأصح ولو قال إن صليت قاعدا أمكنت فقال إمام الحرمين يجوز القعود قطعا ومفهوم كلام غيره أنه على الوجهين

فرع لو عجز في أثناء صلاته عن القيام قعد وبنى ولو صلى قاعدا فقدر على القيام في أثنائها قام وبنى وكذا لو صلى مضطجعا فقدر على القيام أو القعود أتى بالمقدور وبنى ثم إذا تبدل الحال بالنقص إلى الكمال بأن قدر القاعد على القيام لخفة المرض نظر إذا اتفق ذلك قبل القراءة قام وقرأ قائما وكذا إن كان في أثناء القراءة قام وقرأ بقية الفاتحة في حال القيام ويجب ترك القراءة في النهوض إلى أن ينتصب معتدلا فلو قرأ في نهوضه بعض الفاتحة فعليه إعادته وإن قدر بعد القراءة قبل الركوع لزمه القيام ليهوي منه إلى الركوع ولا يلزمه الطمأنينة في هذا القيام لأنه ليس مقصودا لنفسه ويستحب في هذه الأحوال أن يعيد الفاتحة ليقع في حال الكمال ولو وجد الخفة في ركوعه قاعدا فإن كان قبل الطمأنينة لزمه الارتفاع إلى حد الراكعين عن قيام ولا يجوز أن يرتفع قائما ثم يركع لئلا يزيد ركوعا ولو فعله بطلت صلاته وإن كان بعد الطمأنينة فقد تم ركوعه ولا يلزمه الانتقال إلى ركوع القائمين ولو وجد الخفة في الاعتدال عن الركوع قاعدا فإن كان قبل الطمأنينة لزمه أن يقوم ليعتدل ويطمئن وإن كان بعدها فوجهان أحدهما يلزمه أن يقوم ليسجد عن قيام وأصحهما لا يلزمه لئلا يطول الاعتدال وهو ركن قصير فإن اتفق ذلك في الركعة الثانية من الصبح قبل القنوت لم يقنت قاعدا فإن فعل بطلت صلاته بل يقوم ويقنت أما إذا تبدل الحال من الكمال إلى النقص بأن عجز في أثناء الصلاة فينتقل إلى الممكن فإن اتفق العجز في أثناء الفاتحة وجب إدامة القراءة في هويه‏.‏

فرع يجوز فعل النافلة قاعدا مع القدرة على القيام لكن ثوابها يكون نصف ثواب القائم ولو تنفل مضطجعا مع القدرة على القيام والقعود جاز على الأصح ثم المضطجع في الفريضة يأتي بالركوع والسجود إذا قدر عليهما وهنا الخلاف في جواز الاضطجاع يجري في الاقتصار على الايماء لكن الأصح منع الاقتصار على الايماء قال إمام الحرمين ما عندي أن من جوز الاضطجاع يجوز الاقتصار في الأركان الذكرية كالتشهد والتكبير وغيرهما على ذكر القلب ثم يستوي فيما ذكرناه النوافل كلها الراتبة وغيرها على الصحيح وفي وجه شاذ لا تجوز صلاة العيد والكسوف والاستسقاء قاعدا مع القدرة كالجنازة‏.‏

 فصل في دعاء الاستفتاح

يستحب للمصلي إذا كبر أن يقول دعاء الاستفتاح وهو وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ولا يزيد الإمام على هذا إذا لم يعلم رضى المأمومين بالزيادة فإن علم رضاهم أو كان المصلي منفردا استحب أن يقول بعده اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك أنا بك وإليك تباركت وتعاليت استغفرك وأتوب إليك وقال جماعة من أصحابنا منهم أبو إسحق المروزي والقاضي أبو حامد السنة أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ثم يقول وجهت وجهي إلى آخره‏.‏

ومن ترك دعاء الاستفتاح عمدا أو سهوا حتى شرع في التعوذ لم يعد إليه ولا يتداركه في باقي الركعات ولو أدرك مسبوق الإمام في التشهد الأخير وكبر وقعد فسلم الإمام لأول قعوده قام ولا يأتي بدعاء الاستفتاح لفوات محله ولو سلم الإمام قبل قعوده لا يقعد ويأتي بدعاء الاستفتاح وسواء في دعاء الاستفتاح الفريضة وجميع النوافل‏.‏

قلت ذكر الشيخ أبو حامد في تعليقه أنه إذا ترك دعاء الاستفتاح وتعوذ عاد إليه من التعوذ والمعرف في المذهب أنه لا يأتي به كما تقدم لكن لو خالف فأتى به لم تبطل صلاته لأنه ذكر قال صاحب التهذيب ولو أحرم مسبوق فأمن الإمام عقيب إحرامه أمن معه وأتى بدعاء الاستفتاح لأن التأمين يسير والله أعلم‏.‏

 فصل يستحب بعد دعاء الاستفتاح أن يتعوذ

فيقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وقال بعض أصحابنا يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ويحصل التعوذ بكل ما اشتمل على الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ولا يجهر به في الصلاة السرية ولا في الجهرية أيضاً على الأظهر وعلى الثاني يستحب الجهر فيها كالتسمية والتأمين والثالث أنه يتخير بين الجهر والإسرار ولا ترجيح وقيل يستحب الإسرار قطعاً‏.‏

ثم المذهب أنه يستحب تعوذ في كل ركعة وهو في الركعة الأولى آكد وهذا نص الشافعي رضي الله عنه‏.‏

واختاره القاضي أبي الطيب وإمام الحرمين والروياني وغيرهم وقيل قولان أحدهما هذا والثاني يتعوذ في الأولى فقط فإن تركه فيها عمدا أو سهوا أتى به في الثانية‏.‏

 فصل ثم بعد التعوذ يقرأ

وللمصلي حالان أحدهما أن يقدر على قراءة الفاتحة والثاني لا يقدر فأما القادر فيتعين عليه قراءتها في القيام أو ما يقع بدلا عنه ولا يقوم مقامها ترجمتها ولا غيرها من القرآن ويستوي في تعين الفاتحة الإمام والمأموم والمنفرد في السرية والجهرية ولنا قول ووجه شاذ أنها لا تجب عليه في السرية أيضاً فإذا قلنا لا يقرأ المأموم في الجهرية فلو كان أصم أو بعيدا لا يسمع قراءة الإمام لزمته القراءة على الأصح ولو جهر الإمام في السرية أو عكس فالأصح وظاهر النص أن الاعتبار بفعل الإمام والثاني بصفة أصل الصلاة وإذا لم يقرأ المأموم هل يستحب له التعوذ وجهان لأنه ذكر سري‏.‏

قلت الأصح لا يستحب لعدم القراءة والله أعلم‏.‏

وإذا قلنا يقرأ المأموم في الجهرية فلا يجهر بحيث يغلب جهره بل يسر بحيث يسمع نفسه لو كان سميعا فإن هذا أدنى القراءة ويستحب للامام على هذا القول أن يسكت بعد الفاتحة قدر قراءة المأموم لها اعلم أن الفاتحة واجبة في كل ركعة إلا في ركعة المسبوق إذا أدرك الإمام راكعا فإنه لا يقرأ في ركعته وتصح وهل يقال يحملها عنه الإمام أم لم تجب أصلا وجهان قلت أصحهما الأول والله أعلم‏.‏

فرع بسم الله الرحمن الرحيم

آية كاملة من أول الفاتحة بلا خلاف وأما باقي السور سوى براءة فالمذهب أنها آية كاملة من أول كل سورة أيضاً وفي قول أنها بعض آية وقيل قولان أحدهما ليست بقرآن في أوائلها وأظهرهما أنها قرآن والسنة أن تجهر بالتسمية في الصلاة الجهرية في الفاتحة وفي السورة بعدها‏.‏

فرع تجب قراءة الفاتحة بجميع حروفها وتشديداتها فلو أسقط منها حرفا أو خفف مشددا أو أبدل حرفا بحرف لم تصح قراءته وسواء فيه الضاد وغيره وفي وجه لا يضر إبدال الضاد بالظاء واللحن فيها لحنا يحيل المعنى كضم تاء أنعمت أو كسرها أو كسر كاف إياك لم يجزئه وتبطل صلاته إن تعمد ويجب إعادة القراءة إن لم يتعمد وتجزىء بالقراءات السبع وتصح بالقراءة الشاذة إن لم يكن فيها تغيير معنى ولا زيادة حرف ولا نقصانه‏.‏

فرع يجب ترتيب في قراءة الفاتح فلو قدم مؤخرا إن تعمد بطلت قراءته وعليه استئنافها وإن سها لم يعتد بالمؤخر ويبني على المرتب إلا أن يطول فيستأنف القراءة ولو أخل بترتيب التشهد نظر إن غير تغييرا مبطلا للمعنى لم يحسب ما جاء به وإن تعمده بطلت صلاته وإن لم يبطل المعنى أجزأه على المذهب وقيل فيه قولان وينبغي أن يقال في الفاتحة أيضاً إن غير الترتيب فرع تجب الموالاة بين كلمات الفاتحة فإن أخل بها فله حالان أحدهما أن يكون عامدا فينظر إن سكت في أثناء الفاتحة أو طالت مدة السكوت بأن يشعر بقطعه القراءة أو إعراضه عنها مختارا أو لعائق بطلت قراءته ولزم استئنافها على الصحيح وعلى الشاذ المنقول عن العراقيين لا تبطل فإن قصرت مدة السكوت لم يؤثر قطعها وإن نوى قطع القراءة ولم يسكت لم تبطل قطعاً‏.‏

وإن نوى قطعها وسكت يسيرا بطلت قراءته على الصحيح الذي قطع به الأكثرون ولو أتى بتسبيح أو تهليل في أثنائها أو قرأ آية أخرى بطلت قراءته قل ذلك أم كثر هذا فيما لا يؤمر به المصلي فأما ما أمر به في الصلاة أو يتعلق بمصلحتها كتأمين المأموم لتأمين الإمام وسجوده للتلاوة وفتحه عليه القراءة وسؤاله الرحمة عند قراءته آيتها والاستعاذة من العذاب عند قراءة آيته فإذا وقع في أثناء الفاتحة لم تبطل الموالاة على الأصح‏.‏

وهذا تفريع على الصحيح في استحباب هذه الأمور للمأموم وعلى وجه لا يستحب ولا يطرد الخلاف في كل مندوب فإن الحمد عند العطاس مندوب وإن كان في الصلاة ولو فعله قطع الموالاة ولكن يختص بالمندوبات المختصة بالصلاة لمصلحتها‏.‏

المشهور الجديد أنه لا يجزئه ولا يعتد له بتلك الركعة بل إن تذكر بعد ما ركع عاد إلى القيام وقرأ وإن تذكر بعد قيامه إلى الركعة الثانية صارت الثانية أولاه ولغت الأولى والقديم أنه تجزئه صلاته وأما ترك الموالاة ناسيا فالصحيح الذي اتفق عليه الجمهور ونقلوه عن نص الشافعي رحمه الله تعالى أنه لا يضر وله البناء سواء قلنا يعذر بترك الفاتحة ناسيا أم لا ومال إمام الحرمين والغزالي إلى أن الموالاة تنقطع بالنسيان إذا قلنا لا يعذر به في ترك الفاتحة‏.‏

فرع من لا يقدر على قراءة الفاتحة يلزمه كسب القدرة بتعلم أو إلى مصحف يقرؤها منه بشراء أو إجارة أو استعارة فإن كان في ليل أو ظلمة لزمه تحصيل السراج عند الامكان فلو امتنع من ذلك عند الامكان لزمه إعادة كل صلاة صلاها قبل أن يقرأها فإن تعذرت الفاتحة لتعذر التعلم لضيق الوقت أو بلادته أو عدم المعلم والمصحف أو غير ذلك لم يجز ترجمة الفاتحة بل ينظر إن كان أحسن قرآنا غير الفاتحة لزمه قراءة سبع آيات ولا يجزئه دون سبع وإن كانت آيات طوالا وهل يشترط مع ذلك أن لا ينقص حروف كل الآيات عن حروف الفاتحة فيه أوجه أصحها يشترط أن يكون جملة الآيات السبع بقدر حروف الفاتحة والثاني أنه يجب أن يعدل حروف كل آية من حروف آية من الفاتحة على الترتيب فتكون مثلها أو أطول‏.‏

والثالث يكفي سبع آيات ناقصات الحروف كما يكفي صوم يوم قصير عن طويل ثم إن أحسن سبع آيات متوالية بالشرط المذكور لم يجز العدول إلى المتفرقة وإن لم يحسن الا متفرقة أتى بها واستدرك إمام الحرمين فقال لو كانت الآية المفردة لا تفيد معنى منظوما إذا قرئت وحدها كقوله تعالى ثم نظر فيظهر أن لا نأمره بقراءة هذه الآيات المتفرقة ونجعله كمن لا يحسن قراءة أصلاً‏.‏

قلت قد قطع جماعة بأن تجزئه الآيات المتفرقة وإن كان يحسن المتوالية سواء فرقها من سورة أو سور منهم القاضي أبو الطيب وأبو علي البندنيجي وصاحب البيان وهو المنصوص في الأم وهو الأصح والله أعلم‏.‏

أما لو كان الذي يحسنه دون السبع كآية أو آيتين فوجهان أصحهما يقرأ ما يحسنه ويأتي بالذكر عن الباقي والثاني يكرر ما يحفظه حتى يبلغ قدر الفاتحة أما الذي لا يحسن شيئا من القرآن فيجب عليه أن يأتي بالذكر كالتسبيح والتهليل وفي الذكر الواجب أوجه أحدها يتعين أن يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والثاني أنها تتعين ويجب معها كلمتان من الذكر ليصير سبعة أنواع مقام سبع آيات والمراد بالكلمات أنواع الذكر لا ألفاظ مفردة‏.‏

والثالث وهو الأصح أنه لا يتعين شيء من الذكر ولكن هل يشترط أن لا ينقص حروف ما أتى به من حروف الفاتحة وجهان الأصح يشبرط قال إمام الحرمين ولا يراعي هنا إلا الحروف بخلاف ما إذا أحسن قراءة غير الفاتحة فإنه يراعي الآيات وفي الحروف الخلاف وقال في التهذيب يجب سبعة أنواع من الذكر يقام كل نوع مقام آية وهذا أقرب وهل الدعاء المحض كالذكر فيه تردد للشيخ أبي محمد قال إمام الحرمين والأشبه أن ما يتعلق بأمور الآخرة يقوم دون ما يتعلق بالدنيا ويشترط أن لا يقصد بالذكر المأتي به شيئا آخر سوى البدلية كمن استفتح أو تعوذ على قصد تحصيل سنتهما ولكن لا يشترط قصد البدلية فيهما ولا في غيرهما من الأذكار على الأصح أما إذا لم يحسن شيئا من القرآن ولا الذكر فعليه أن يقوم بقدر الفاتحة ثم يركع ولو أحسن بعض الفاتحة ولم يحسن بدلا وجب تكرير ما أحسن قدر الفاتحة وإن أحسن لباقيها بدلا فوجهان وقيل قولان أحدهما يكرره وأصحهما يأتي به وببدل الباقي فعلى هذا لو أحسن النصف الثاني من الفاتحة دون الأول أتى بالذكر بدلا عن النصف الأول ثم يأتي بالنصف الثاني فلو عكس لم يجز على الصحيح وأما إذا قلنا يكرر ما يحسنه فيكرر المحفوظ مرة بدلا ومرة أصلا‏.‏

ولو كان يحسن النصف الأول كرره على الوجه الأول وأما على الأصح فيأتي به ثم بالذكر بدلا هذا كله إذا استمر العجز فلو تمكن من قراءة الفاتحة في أثناء الصلاة بتلقين أو مصحف أو غيرهما فإن كان قبل الشروع في البدل لزمه قراءة الفاتحة وكذا إن كان في أثناء البدل على الصحيح وعلى الضعيف يلزمه أن يقرأ الفاتحة بقدر ما بقي وإن كان بعد الركوع فقد مضت تلك الركعة على الصحة ولا يجوز الرجوع وإن كان بعد الفراغ من البدل وقبل الركوع فالمذهب أنه لا يلزمه قراءة الفاتحة كما إذا قدر المكفر على الإعتاق بعد فراغه من الصوم وقيل وجهان‏.‏

فرع يستحب لكل من قرأ الفاتحة في الصلاة أو خارج الصلاة عقب فراغه منها آمين بالمد أو القصر بلا تشديد فيهما ويستحب أن يفصل بينهما وبين ولا الضالين بسكته ل لطيفة ليميزها عن القرآن ويستوي في استحبابها الإمام والمأموم والمنفرد ويجهر بها الإمام والمنفرد في الصلاة الجهرية تبعا للقراءة وأما المأموم فالمذهب أنه يجهر وقيل قولان وقيل إن لم يجهر الإمام جهر لينبهه وإلا فقولان وقيل إن كثر القوم جهروا وإلا فلا ويستحب أن يكون تأمين المأموم مع تأمين الإمام لا قبله ولا بعده فإن فاته أمن عقب تأمينه قلت قال أصحابنا لو ترك التأمين حتى اشتغل بغيره فات ولم يعد إليه وفي الحاوي وغيره وجه ضعيف أنه يأتي به ما لم يركع قال في الأم فإن قال آمين رب العالمين كان حسنا والله أعلم‏.‏

فرع يسن للامام والمنفرد قراءة شيء بعد الفاتحة في صلاة الصبح والأوليين من سائر الصلوات ويحصل أصل الاستحباب بقراءة شيء من القرآن ولكن سورة كاملة أفضل حتى أن السورة القصيرة أولى من قدرها من طويلة وهل تسن السورة في الركعة الثالثة والرابعة قولان القديم وبه أفتى الأكثرون لا تسن والجديد تسن لكنها تكون أقصر ولا يفضل الركعة الأولى على الثانية بزيادة القراءة ولا الثالثة على الرابعة على الأصح فيهما‏.‏

قلت هذا الذي صححه هو الراجع عند جماهير الأصحاب لكن الأصح التفضيل فقد صح فيه الحديث واختاره القاضي أبو الطيب والمحققون ونقله القاضي أبو الطيب عن عامة أصحابنا الخراسانيين لكن القاضي أبو الطيب خص الخلاف بتفضيل الأولى على الثانية ونقل الاتفاق على استواء الثالثة والرابعة والله أعلم‏.‏

وفي العصر والعشاء بأوساط المفصل وفي المغرب بقصاره ويسن في صبح يوم الجمعة أن يقرأ في الأولى آلم تنزيل وفي الثانية هل أتى بكمالهما وأما المأموم فلا يقرأ السورة فيما يجهر في الإمام إذا سمعه بل يستمعه وإن كانت الصلاة سرية أو جهرية ولم يسمع المأموم قراءته لبعده أو صممه قرأها على الأصح‏.‏

قلت لو قرأ السورة ثم قرأ الفاتحة لم تحسب السورة على المذهب والمنصوص وذكر إمام الحرمين والشيخ نصر المقدسي في الاعتداد بها وجهين قال أصحابنا والمرأة لا تجهر بالقراءة في موضع فيه رجال أجانب فإن كانت خالية أو عندها نساء أو رجال محارم جهرت وفي وجه تسر مطلقا وحيث قلنا تسر فجهرت لا تبطل صلاتها على الصحيح والخنثى كالمرأة وأما نوافل النهار المطلقة فيسر فيها قطعاً‏.‏

وأما نوافل الليل فقال صاحب التتمة يجهر وقال القاضي حسين وصاحب التهذيب يتوسط بين الجهر والاسرار وهو الأصح ويستثنى ما إذا كان عنده مصلون أو نيام يهوش عليهم فيسر ويستثنى التراويح فيجهر فيها والله أعلم‏.‏

فرع يستحب للقارىء في الصلاة وخارجها إذا مر بآية رحمة أن الرحمة أو بآية عذاب أن يستعيذ منه أو بآية تسبيح أن يسبح أو بآية مثل أن يتفكر وإذا قرأ أليس الله بأحكم الحاكمين قال بلى وأنا على ذلك من الشاهدين وإذا قرأ فبأي حديث بعده يؤمنون قال آمنا بالله والمأموم يفعل ذلك لقراءة الإمام على الصحيح‏.‏

 فصل في الركوع

أقله أن ينحني بحيث تنال راحتاه ركبتيه ولو أراد وضعهما عليهما وهذا عند اعتدال الخلقة وسلامة اليدين والركبتين ولو انخنس وأخرج ركبتيه وهو مائل منتصب وصار بحيث لو مد يديه لنالت راحتاه ركبتيه لم يكن ذلك ركوعا لأن نيلهما لم يحصل بالانحناء قال إمام الحرمين ولو مزج الانحناء بهذه الهيئة المذكورة وكان التمكن من وضع الراحتين على الركبتين بهما جميعا لم يكن ركوعا أيضاً ثم إن لم يقدر على الانحناء إلى الحد المذكور إلا بمعين أو باعتماد على شيء أو بأن ينحني على شقه لزمه ذلك فإن لم يقدر انحنى القدر الممكن فإن عجز أومأ بطرفه عن قيام هذا بيان ركوع القائم وأما ركوع القاعد فقد تقدم بيان أقله وأكمله في فصل القيام وتجب الطمأنينة في الركوع وأقلها أن يصبر حتى تستقر أعضاؤه في هيئة الركوع وينفصل هويه عن ارتفاعه منه فلو جاوز حد أقل الركوع فزاد في الهوي ثم ارتفع والحركات متصلة لم تحصل الطمأنينة ولا يقوم زيادة الهوي مقام الطمأنينة ويشترط أن لا يقصد بهويه غير الركوع فلو قرأ في صلاته آية سجدة فهوى ليسجد للتلاوة ثم بدا له بعد ما بلغ حد الراكعين أن يركع لم يعتد بذلك عن الركوع بل يجب عليه أن يعود إلى القيام ثم يركع وأما أكمل الركوع فأمران أحدهما في الهيئة والثاني في الذكر‏.‏

أما الهيئة فأن ينحني بحيث يستوي ظهره وعنقه ويمدهما كالصفيحة وينصب ساقيه إلى الحقو ولا يثني ركبتيه ويضع يديه على ركبتيه ويأخذهما بهما ويفرق بين أصابعه حينئذ ويوجهها نحو القبلة فإن كانت إحدى يديه مقطوعة أو عليلة فعل بالأخرى ما ذكرنا فإن لم يمكنه وضعهما على ركبتيه أرسلهما‏.‏

ويجافي الرجل مرفقيه عن جنبيه ولا تجافي المرأة ولا الخنثى الأمر الثاني الذكر فيستحب أن يكبر للركوع ويبتدىء به في ابتداء الهوي وهل يمد التكبير قولان‏.‏

القديم لا يمده بل يحذفه والجديد الصحيح يستحب مده إلى تمام الهوي حتى لا يخلو جزء من صلاته عن ذكر ويجري القولان في جميع تكبيرات الانتقالات هل يمدها إلى الركن المنتقل إليه أم لا ويستحب أن يرفع يديه إذا ابتدأ التكبير وتقدمت صفة الرفع ويستحب أن يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاث مرات قال بعضهم ويضيف إليه وبحمده والأفضل أن يقول بعده اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وشعري وبشري وما استقلت به قدمي لله رب العالمين وهذا أتم الكمال ثم الزيادة على ثلاث تسبيحات إنما تستحب للمنفرد وأما الإمام فلا يزيد على ثلاث وقيل خمس إلا أن يرضى المأمومون بالتطويل فيستوفي الكمال وتكره قراءة القرآن في الركوع والسجود‏.‏

قلت قال أصحابنا يستحب أن لا يصل تكبيرة الركوع بآخر السورة بل يسكت بينهما سكتة لطيفة ويبتدىء التكبير قائما مع ابتداء رفع اليدين فإن ترك رفع اليدين حتى فرغ من التكبير لم يرفعهما وإن ذكر قبل فراغه رفع ولو كان أقطع الكفين لم يبلغ بيديه ركبتيه لئلا يغير هيئة الركوع ذكره الماوردي وغيره قالوا ويستحب رفع اليدين في تكبيرة الاحرام والركوع والرفع منه لكل مصل قائم وقاعد ومضطجع وموم ونص عليه في الأم قال أصحابنا وأقل ما يحصل به الذكر في الركوع تسبيحة واحدة والله أعلم‏.‏

 فصل في الاعتدال عن الركوع

وهو ركن لكنه غير مقصود لنفسه والاعتدال الواجب أن يعود بعد ركوعه إلى الهيئة التي كان عليها قبل الركوع سواء صلى قائما أو قاعدا فلو ركع عن قيام فسقط في ركوعه نظر إن لم يطمئن في ركوعه لزمه أن يعود إلى الركوع ويطمئن ثم يعتدل منه وإن كان اطمأن فيعتدل قائما ويسجد ولو رفع الراكع رأسه ثم سجد وشك هل تم اعتداله وجب أن يعتدل قائما ويعيد السجود واعلم أنه تجب الطمأنينة في الاعتدال كالركوع وقال إمام الحرمين في قلبي من الطمأنينة في الاعتدال شيء وفي كلام غيره ما يقتضي ترددا فيها والمعروف الصواب وجوبها ويجب أن لا يقصد بارتفاعه شيئا آخر فلو رأى في ركوعه حية فرفع فزعا منها لم يعتد به ويجب أن لا يطول الاعتدال فإن طوله ففي بطلان صلاته خلاف يذكر في باب سجود السهو إن شاء الله تعالى ويستحب عند الاعتدال رفع اليدين حذو المنكبين على ما تقدم من صفة الرفع ويكون ابتداء رفعهما مع ابتداء رفع الرأس فإذا اعتدل قائما حطهما ويستحب أن يقول في ارتفاعه للاعتدال سمع الله لمن حمده فإذا استوى قائما قال ربنا لك الحمد أو ربنا ولك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد يستوي في استحباب هذين الذكرين الإمام والمأموم والمنفرد ويستحب لغير الإمام وله إذا رضي القوم أن يزيد فيقول أهل الثناء والمجد حق ما قال العبد كلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك ويكره للإمام هذه الزيادة إلا برضاهم‏.‏

قلت هكذا يقوله أصحابنا في كتب المذهب حق ما قال العبد كلنا لك عبد والذي في صحيح مسلم وغيره من كتب الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد بزيادة ألف في أحق وواو في وكلنا وكلاهما حسن لكن ما ثبت في الحديث أولى قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى ولو قال من حمد الله سمع له بدل سمع الله لمن حمده أجزأه ولكن الأولى سمع الله لمن حمده‏.‏

قال الشافعي والأصحاب يقول في الرفع ربنا لك الحمد وإن شاء قال اللهم ربنا لك الحمد أو لك الحمد ربنا والأول أولى قال صاحب الحاوي يجهر الإمام ب سمع الله لمن حمده ويسر ب ربنا لك الحمد ويسر المأموم بهما جميعا ولو أتى بالركوع الواجب فعرضت علة منعته الانتصاب سجد من ركوعه وسقط الاعتدال لتعذره فلو زالت العلة قبل بلوغ جبهته للأرض وجب أن يرتفع وينتصب قائما ويعتدل ثم يسجد وإن زالت بعد وضع جبهته على الأرض لم يرجع إلى الاعتدال بل سقط عنه فإن خالف فعاد إليه قبل تمام سجوده فإن كان عالما بتحريمه بطلت صلاته وإن كان جاهلا لم تبطل ويعود إلى السجود قال صاحب التتمة ولو ترك الاعتدال عن الركوع والسجود في النافلة ففي صحتها وجهان بناء على صلاتها مضطجعا مع قدرته على القيام والله أعلم‏.‏

وهو مستحب بعد الرفع من الركوع في الركعة الثانية من الصبح وكذلك الركعة الأخيرة من الوتر في النصف الأخير من شهر رمضان ولفظه اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليه وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت هذا هو المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وزاد العلماء فيه ولا يعز من عاديت قبل تباركت وتعاليت وبعده فلك الحمد على ما قضيت أستغفرك وأتوب إليك قلت قال أصحابنا لا بأس بهذه الزيادة وقال أبو حامد والبندنيجي وآخرون مستحبة واتفقوا على تغليط القاضي أبو الطيب في إنكار لا يعز من عاديت وقد جاءت في رواية البيهقي والله أعلم‏.‏

فإن كان إماما لم يخص نفسه بل يذكر بلفظ الجمع وهل تسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعده وجهان الأصح تسن وهل تتعين هذه الكلمات في القنوت وجهان أحدهما تتعين ككلمات التشهد والصحيح الذي قطع به الجماهير لا تتعين وعلى هذا لو قنت بما جاء عن عمر رضي الله عنه كان حسنا وحكي وجه عن أبي علي بن أبي هريرة أنه لا يقنت في الصبح وهذا غريب وغلط أما غير الصبح من الفرائض ففيها ثلاثة أقوال المشهور أنه إن نزل والعياذ بالله بالمسلمين نازلة كالوباء والقحط قنتوا وإلا فلا والثاني يقنتون مطلقا والثالث لا يقنتون مطلقا ثم مقتضى كلام الأكثرين أن الكلام والخلاف في غير الصبح إنما هو في الجواز ومنهم من يشعر إيراده بالاستحباب‏.‏

قلت الأصح استحبابه وصرح به صاحب العدة ونقله نص الشافعي في الإملاء والله أعلم ثم الإمام في صلاة الصبح هل يجهر بالقنوت وجهان أصحهما الجهر والثاني لا كالتشهد والدعوات وأما المنفرد فيسر به قطعاً‏.‏

ذكره البغوي وأما المأموم فإن قلنا لا يجهر الإمام قنت وإن قلنا يجهر فالأصح أنه يؤمن ولا يقنت والثاني يتخير بين التأمين والقنوت فعلى الأصح هل يؤمن في الجميع وجهان الأصح يؤمن في القدر الذي هو دعاء وأما الثناء فيشاركه فيه أو يسكت والثاني يؤمن في الجميع فإن كان لا يسمع الإمام لبعد أو غيره وقلنا لو سمع لأمن فهنا وجهان أحدهما يقنت والثاني يؤمن كالوجهين في قراءة السورة إذا لم يسمع الإمام وأما غير الصبح إذا قنت فيها فالراجح أنها كلها كالصبح سرية كانت أو جهرية ومقتضى إيراده في الوسيط أنه يسر في السرية وفي الجهرية الخلاف وهل يسن رفع اليدين في القنوت ومسح الوجه بهما إذا فرغ فيه أوجه أصحها يستحب الرفع دون المسح والثاني يستحبان والثالث لا يستحبان‏.‏

قلت لا يستحب مسح غير وجهه قطعا بل نص جماعة على كراهته ولو قنت بآية من القرآن ينوي بها القنوت وقلنا لا يتعين له لفظ فإن تضمنت الآية دعاء أو شبهه كان قنوتا وإن لم تتضمنه كآية الدين و تبت فوجهان حكاهما في الحاوي الصحيح لا يكون قنوتا ولو قنت قبل الركوع فإن كان مالكيا يرى ذلك أجزأه وإن كان شافعيا لا يراه لم يحسب على الصحيح بل يعيده بعد الرفع من الركوع وهل يسجد للسهو وجهان الأصح المنصوص في الأم يسجد والله أعلم‏.‏

 فصل في السجود

وهو ركن وله أقل وأكمل أما أقله ففيه مسائل إحداها يجب أن يضع على الأرض من الجبهة ما يقع عليه الاسم وفي وجه لا يكفي بعض الجبهة وهو شاذ منكر ولا يجزىء عن الجبهة الجبينان وهما جانبا الجبهة والصحيح أنه لا يكفي في وضع الجبهة الامساس بل يجب أن يتحامل على موضع سجوده بثقل رأسه وعنقه حتى تستقر جبهته فلو سجد على قطن أو حشيش أو شيء محشو بهما وجب أن يتحامل حتى ينكبس ويظهر أثره على يد لو فرضت تحت ذلك المحشو فإن لم يفعل لم يجزئه وقال إمام الحرمين عندي أنه يكفي إرخاء رأسه ولا يقله ولا حاجة إلى التحامل كيف فرض محل السجود وهل يجب وضع اليدين والركبتين والقدمين على موضع السجود قولان أظهرهما لا يجب فإن أوجبناه كفى وضع جزء من كل واحد منها والاعتبار في اليد بباطن الكف وفي الرجلين ببطون الأصابع وإن قلنا لا يجب اعتمد على ما شاء منهما ويرفع ما شاء ولا يمكنه أن يسجد مع رفع الجميع هذا هو الغالب أو المقطوع به قلت الأظهر وجوب الوضع‏.‏

قال الشيخ أبو حامد في تعليقه إذا قلنا لا يجب وضعها فلو أمكنه أن يسجد على الجبهة وحدها أجزأه وكذا قال صاحب العدة لو لم يضع شيئا منها أجزأه ومن صور رفعها كلها إذا رفع الركبتين والقدمين ووضع ظهر الكفين أو حرفهما فإنه في حكم رفعهما والله أعلم‏.‏

ولا يجب وضع الأنف على الأرض‏.‏

قلت وحكى صاحب البيان قولا غريبا أنه يجب وضع الأنف مع الجبهة مكشوفا والله أعلم ويجب أن يكشف من الجبهة ما يقع عليه الاسم فيباشر به موضع السجود وإنما يحصل الكشف إذا لم يحل بينه وبين موضع السجود حائل متصل به يرتفع بارتفاعه فلو سجد على طرف عمامته أو ذيله المتحرك بحركته لم يصح وإن لم يتحرك بحركته قياما وقعودا أجزأه قلت لو كان على جبهته جراحة فعصبها وسجد على العصابة أجزأه ولا إعادة عليه على المذهب لأنه إذا سقطت الاعادة مع الايماء للعذر فهنا أولى والله أعلم‏.‏

وإذا أوجبنا وضع الركبتين والقدمين لم يجب كشفهما قطعا وإذا أوجبنا وضع الكفين لم يجب المسألة الثانية إذا وضع الجبهة وسائر الأعضاء على الأرض فله ثلاث صور إحداها أن يكون أعاليه أعلى من أسافله بأن يضع رأسه على ارتفاع فيصير رأسه أعلى من حقوه فلا يجزئه لعدم اسم السجود كما لو أكب ومد رجليه الثانية أن تكون الأسافل أعلى من الأعالي فهذه هيئة التنكيس وهي المطلوبة ومهما كان المكان مستويا كان الحقو أعلى ولو كان موضع الرأس مرتفعا قليلا فقد ترتفع أسافله وتحصل هذه الهيئة أيضاً‏.‏

الثالثة أن تتساوى أعاليه وأسافله لارتفاع موضع الجبهة وعدم رفعه الأسافل فالأصح أنها لا تجزىء وإذا تعذرت الهيئة المطلوبة لمرض أو غيره فهل يلزمه وضع وسادة ونحوها ليضع الجبهة عليها أم يكفي إنهاء الرأس إلى الحد الممكن من غير وضع الجبهة على شيء وجهان أصحهما عند الغزالي الوجوب والأشبه بكلام الأكثرين الاكتفاء بإنهاء الرأس ولو عجز عن وضع الجبهة على الأرض وقدر على وضعها على وسادة مع النكس لزمه ذلك بلا خلاف ولو عجز عن الانحناء أشار بالرأس ثم بالطرف على ما تقدم نظيره‏.‏

المسألة الثالثة تجب الطمأنينة في السجود ويجب أن لا يقصد بهويه غير السجود فلو سقط إلى الأرض من الاعتدال قبل قصد الهوي لم يحسب بل يعود إلى الاعتدال ويسجد منه ولو هوى ليسجد فسقط على الأرض بجبهته نظر إن وضع جبهته على الأرض بنية الاعتماد لم يحسب عن السجود وإن لم تحدث هذه النية حسب ولو هوى ليسجد فسقط على جنبه فانقلب وأتى بصورة السجود فإن قصد السجود اعتد به وإن قصد الاستقامة لم يعتد به‏.‏

قلت إذا قصد الاستقامة له حالان أحدهما أن يقصدها قاصدا صرف ذلك عن السجود فلا يجزئه قطعا وتبطل صلاته لأنه زاد فعلا لا يزاد مثله في الصلاة عامدا قاله إمام الحرمين وغيره والثاني أن يقصد الاستقامة ولا يقصد صرفه عن السجود بل يغفل عنه فلا يجزئه أيضاً على الصحيح المنصوص ولكن لا تبطل صلاته بل يكفيه أن يعتدل جالسا ثم يسجد ولا يلزمه أن يقوم ليسجد من قيام على الظاهر فلو قام كان زائدا قياما متعمدا فتبطل صلاته هذا بيان الحالتين ولو لم يقصد السجود ولا الاستقامة أجزأه ذلك عن السجود قطعاً‏.‏

العجب من الإمام الرافعي في كونه ترك استيفاء هذه الزيادة التي ألحقتها والله أعلم‏.‏

فرع وأما أكمل السجود فالسنة أن يكون أول ما يقع على الأرض ركبتيه ثم يديه ثم أنفه وجبهته ويبتدىء التكبير مع ابتداء الهوي وهل يمده أو يحذفه فيه القولان المتقدمان ولا يرفع اليد مع التكبير هنا ويستحب أن يقول في سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاثا وهذا أدنى الكمال والأفضل أن يقول بعده اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته تبارك الله أحسن الخالقين والامام يقتصر على التسبيح إلا أن يرضوا ويستحب للمفرد أن يجتهد في الدعاء في سجوده وأن يضع كل ساجد الأنف مع الجبهة مكشوفا وأن يفرق بين ركبتيه ويرفع الرجل مرفقيه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه والمرأة تضم بعها إلى بعض وأن يضع الساجد يديه على الأرض بإزالة منكبيه وأصابعه ملتصق بعضها إلى بعض مستطيلة إلى جهة القبلة وسنة أصابع اليدين إذا كانت منشورة في جميع الصلاة التفريج المقتصد إلا في حالة السجود فإنه يلصقها‏.‏

قلت وإلا في التشهد فإن الصحيح أن أصابع اليسرى تكون كهيئاتها في السجود وكذا أصابعهما في الجلوس بين السجدتين والله أعلم‏.‏

ويرفع الساجد ذراعيه عن الأرض ولا يفترشهما وينصب القدمين ويوجه أصابعهما إلى القبلة وإنما يحصل توجيهها بالتحامل عليها والاعتماد على بطونها وقال في النهاية الذي صححه الأئمة أن يضع أطراف الأصابع على الأرض من غير تحامل والأول أصح‏.‏

قلت قال أصحابنا ويستحب أن يفرق بين القدمين قال القاضي أبو الطيب قال أصحابنا يكون بينهما شبر ويستحب أن يقول في سجوده سبوح قدوس رب الملائكة والروح وأن يبرز قدميه من ذيله في السجود ويكشفهما إذا لم يكن عليهما خف ويكره أن يجمع في سجود أو غيره من أحوال الصلاة شعره أو ثيابه لغير حاجة والله أعلم‏.‏